gototopgototop
Get Adobe Flash player

ترجم الموقع إلى لغتك

من كتاباتي

  • الموت في المفهوم المسيحي
  • المفهوم المسيحي للعشاء الرباني
  • نؤمن بإله واحد
  • عودة المسيح ثانية ودينونة العالم
  • الزواج في المسيحية
  • المفهوم اللاهوتي للثورة
  • الثالوث في المسيحية توحيد أم شرك بالله

ابحث في الموقع

رأيك يهمنا

هل تعتقد أن الأعمال الحسنة والأخلاق الجيدة تؤدي بالإنسان إلى الجنة؟
 

زوار من كل مكان

free counters

المتواجدون الآن

يوجد حالياً 11 زائر متصل
الرئيسية مقالات ومختارات مقالات ثقافية المسيحيون العرب -

عقد مجلس كنائس الشرق الأوسط مع مجلس الكنائس العالمي مؤتمرا في بيروت من 22 إلى 25 مايو تحت عنوان «المسيحيون في الشرق الأوسط.. حضور وشهادة» ولقد شارك في هذا المؤتمر جميع الكنائس المسيحية الرئيسية (الأرثوذكسية - الكاثوليكية - الإنجيلية) وقد حضره بطاركة وأساقفة ورؤساء طوائف وسياسيون ومثقفون، وسوف ألخص ما خرج به هذا المؤتمر:

عُرِفَ عَصرُ الفَاطمِيِّينَ بِأَنَّهُ العَصرُ الذَّهبِيّ لِلأَقليَاتِ الدِّينِيّة، فَقَدْ تَوسّعَ الخُلفَاء فِي استخدَامِ المَسِيحِيِّين فِي الوظَائفِ العَامّة، فَكَانَ مِنْهُمْ الوزرَاء وَالكُتَّاب وَعُمَال الدّواوِين وَجُبَاة الخَرَاج، وَلَعَلّ هَذَا الأَمر كَانَ نَتِيجةً طَبِيعِيّةً لاختلافِ الفَاطمِيِّينَ الشِّيعة مَعَ المِصرِيِّين السُّنِّيين[1] فِي المَذهب الفِقهِيّ؛ وَلِذَا لَمْ يَعتمدْ الفَاطمِيّون فِي شؤونِ الإِدَارةِ وَأَعمَالِ الحكُومةِ عَلَى المِصرِيِّينَ السُّنِّيين لِمُخَالفَتِهمْ لَهمْ فِي المَذهب؛ مِمَّا أَفسحَ المجَالَ أَمَامَ استخدَامِ قَبطِ مِصر وَيَهودِهَا مِنْ قِبَلِ الفَاطِمِيِّين، وَقَدْ صَارَ لَهمْ فِي بَعضِ الأَحيَان السِّيَادة عَلَى المُسلمِينَ، مِمَّا أَوغَرَ قُلُوبَ المُسلمِينَ ضِدَّهمْ، فَألحقُوا بِهمْ ضُروبًا مِنَ التّنكِيلِ وَالتّعذِيبِ وَالإِذلالِ، تَشِيبُ لَهَا رؤوسُ الوِلدَان. وَمَهمَا كَانَ الأَمر، فَإِنَّ حُكَّامَ مِصر المُسلمِين عَامّةً، أَيقنُوا تَمَامَ اليَقِينِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي إِمكَانِهمْ الاستغَنَاء عَنْ دَورِ المَسِيحِيِّينَ، إِذ كَانَتْ إِدَارة البِلَادِ عَلَى كَافةِ الأَصعدةِ فِي حَاجةٍ مَاسةٍ إِلَى كَفَاءاتٍ خَاصّةً فِي دَواوين الإِنشَاءِ وَالمَال، وَغَيْرهَا مِنْ نَواحِي الإِدَارةِ، الَّتِي كَانَ المَسِيحِيُّونَ أَهْلَ اختصَاصٍ وَخِبرةٍ بِهَا.

          وَلِذَا يَأتِي هَذَا المقَال مُوضّحًا كَيْفَ شَاركَ المَسِيحِيّونَ المِصرِيون فِي صِيَاغةِ الحَيَاة السّيَاسِيّة فِي العَصرِ الفَاطمِيّ، وَكَيْفَ كَانُوا مُؤثرِين فِي إِدَارةِ شئونِ الحُكم، وَذَلِكَ مِنْ خِلالِ تَتبّع عُصور الخُلفَاء الفَاطمِيِّين، وَمُحَاولة إِلَقَاء مَزِيدًا مِنَ الضّوءِ عَلَى أُولئك المَسِيحِيِّين الَّذِينَ كَانُوا بِمثَابةِ عَلامةً فَارقة فِي الدّولةِ الفَاطمِيّة.

          كَمَا يُبيّنُ كَيْفَ تَبَاين الموقف الإِسلامِيّ مِنْ المَسِيحِيِّين بَيْنَ إِعلاءٍ لشأنِهمْ وَإِعطَائهمْ حَقَّ ارتقَاءِ أَعَلى المنَاصبِ فِي الدّولة، وَبَيْنَ إِذلالٍ وَتَحقِيرٍ وَهضمٍ لِحقِّ المُشَاركة فِي الحَيَاةِ العَامّة كَفيصلٍ حَيويٍّ فِي الوطنِ.

أَوّلاً: عَصرُ المُعزّ وَجوهر الصّقلِي 

          حِينمَا تَمَّ لِجوهر الصّقلِي[2] فَتح مِصر فِي سَنةِ 538ه، كَانَ يُشرف عَلَى أمُورِهَا أَحدُ القَبطِ، وَيُسمَّى أَبُو اليُمن قُزمَان بِنْ مِينَا، فَلمَا أَدركَ جَوهر الصّقَلِي، مَا يَشتهرُ بِهِ هَذَا المَسِيحِيّ مِنَ الأَمَانةِ وَالثِّقَةِ، أَبقَاهُ عَلَى حَالِهِ، كَنَاظرٍ لِمِصر، وَعِنْدَمَا دَخلَ المُعزُّ لِدِينِ الله مِصر قَرَّبَ قُزمَان بن مِينَا إِلَيهِ، وَكَانَ يَأخذُ بِرأَيهِ. وَبَعْدَ فَترةٍ عَهَدَ إِلَيهِ المُعزُّ بِالإِشرَافِ عَلَى استخرَاجِ أَموال مِصر.

          وَلَمَّا أَدركَ يَعقُوب بن كلّس،[3] مَا صَارَ لأَبِي اليُمن، مِنْ مَكَانةٍ عَظِيمة لَدى المُعز، حَسدهُ، وَفَكّرَ فِي فِريّةٍ يُبعِدُ بِهَا أَبَا اليُمن عَنْ البِلَادِ المِصرِيّة، فَأَشَارَ عَلَى المُعزِّ، بِأَنْ يُولّيه أَعمَال فِلسطِين، فَاستجَابَ لَهُ؛ وَبِذَلِكَ تَخلّصَ مِنْ غَرِيمِهِ.[4]

ثَانِيًا: عَصرُ العَزِيز بِاللهِ           

          اشتهرَ العَزِيز بِرحَابَةِ صَدرِهِ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ المَسِيحِيِّينَ المَلكَانِيِّين، وَالقبطِ اليَعَاقبة، عَلَى حَدٍّ سَواء، فَامتَازت سِيَاسته مَعهمْ بِتسَامُحٍ عَظِيمٍ، وَلَعلَّ سبب هَذَا، يَرجعُ إِلَى أَنَّهُ كَانَ مُتزوجًا، مِنْ امرَأةٍ مَسِيحِيّةٍ رُومَانِيّة الأَصلِ مَلكَانِيّة المَذهب، وَمِنْ ثَمَّ، تَمَّ الإِحسَان إِلَى كُلِّ مِنْ المَلكَانِيِّين وَالقَبط اليعَاقبة فِي عَصرِهِ، وَتَمتّعُوا بِحُرِّيَّةٍ دِينِيّةٍ وَمَدنِيّةٍ. وَشَغلَ المَسِيحِيُّونَ، فِي عَهْدِ العَزِيز، أَعلَى المنَاصب الإِدَارِية وَأَجلّهَا فِي البِلَادِ المِصرِيَّة، فَكَانَ مِنْهمْ جُلّ الكُتَّاب، كَمَا استُوزرَ العَزِيزُ بِاللهِ عِيسَى بن نِسطُورس المَسِيحِيّ.[5] الَّذِي تَمِيّزَ بِالكِفَاءةِ فِي ضبطِ الأمُور، وَفِي جَمعِ الأَموالِ، فَوفّرَ كَثِيرًا مِنَ الخَرَاجِ، وَمَالَ إِلَى إِخوانِهِ مِنَ المَسِيحِيِّين، فَأَحسنَ مُعَاملتهمْ وَأَكرمهمْ.[6] وَاشتدَ سَاعدهُ، وَقَوِيَ مَركَزهُ، وَصَارَ يُخَاطبُ بِسيّدِنَا الأَجلُّ،[7] فَقَبضَ عَلَى كُلِّ عَملٍ مُربحٍ لِنَفْسِهِ، وَزَادَ الضّرَائب زِيَادةً كَبِيرةَ؛ مِمَّا أَثَارَ سَخط المُسلمِين، وَسَاءَهمْ تَولِّي المَسِيحِيِّين زِمَام أَمورِ البِلَادِ، وَقَدّمُوا لِلعَزِيزِ رُقَعةً تَتضمّنُ شَكواهمْ مِنْ تَسلُّطِ المَسِيحِيِّين عَلَيهمْ؛ فَحنِقَ عَليهِ. وَلَكِنَّ مَا لَبِثَ أَنْ عَادَ إِلَى مُمَارسةِ مَهَامِهِ، بَيدَ أَنَّ الخَلِيفةَ اشترطَ عَلَيهِ استخدَام المُسلمِينَ فِي الدّواوينِ وَالأَعمَال. وَقَدْ تَوسّطَ لِعِيسَى عِنْدَ العَزِيز ابنتهُ سِتُّ المُلك، فَقدْ كَانَتْ عَلَى عَلاقةٍ طَيبةٍ مَعَ ابنِ نِسطُورس.[8] وَاستمر ابنُ نِسطُورس وَزِيرًا فِي خِلافةِ الحَاكمِ، حَتَّى قَتلهُ الحَسن بن عَمَّار الكتَامِي.[9]

ثَالِثًا: عَصرُ الحَاكم بِأمرِ الله

          حَتَّى فِي عَصرِ الحَاكم بِأَمرِ الله، الَّذِي يَتّهِمَهُ المُؤرّخُونَ بِالتّعصّبِ الشّدِيد لِمذهبِهِ وَاضطهَاده لِلمَسِيحِيِّين، لَعِبَ المَسِيحِيُّونَ دَورًا هَامًّا فِي إِدَارةِ البْلَادِ المِصرِية وَسِيَاستِهَا، فَكَانَ مِنْ بَيْنهمْ وزرَاء الحَاكم وَكُتَّابه.

          كَانَ مِنْ بَيْنَ الوزرَاءِ المَسِيحِيِّين فِي عَصرِ الحَاكم، مَنصُور بن عبدُون، وَكَان كَاتِبًا قَبل تَولِيه الوزَارة، وَبَعْدَ أَنْ تَولاهَا لُقّبَ بِالكَافِي، كَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي القَاسم الحَسن المغربِي وَأَبِيه أَبِي الحَسن عَداءً قَدِيمًا. فَبدأ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَاولة الإِيقَاع بِالآخرِ.[10]

          استمرَ الخِلافُ وَالخِصَامُ بَيْنَ ابْنِ عَبدُون، وَبَيْنَ بَنِي المَغربِي، فَقتلَ مَنصُور الكَثِيرِينَ مِنْهمْ. وَلَكِنْ مَا لَبِثَ إِنْ تَغيّرَ الخَلِيفة عَلَى ابنِ عَبدُون، وَقَتلهُ. وَاستوزر بَعده زَرعة بن نِسطُورس، وَلَقّبهُ بِالشَّافِي فِي سَنةِ 1007م.[11]

رَابِعًا: عَصرُ الآمر بِأَحكَامِ الله

          استمرَ المَسِيحِيّونَ فِي القِيَامِ بِنَفْسِ الدّور فِي عَهْدِ الخَلِيفة الآمر، الَّذِي كَانَ جُلّ اعتمَادِهِ عَلَيهمْ، فَكَانَ مِنْهمْ الكُتَّاب وَعُمَال الدّواوين دُونَ الوزرَاء. وَيَصفُ بَعض المُؤرّخِين استخدَام المَسِيحِيِّين فِي الدّولةِ الفَاطمِيّة، خَاصّةً فِي خِلافةِ الآمر، فَيقُولُونَ: "فِي أَيَّامِ الآمرِ، بِالدِّيَارِ المِصرِيّة، امتدت أَيدِي النّصَارَى وَبَسطُوا أَيديهم بِالخِيَانةِ، وَتفنّنوا فِي إِيذَاءِ المُسلمِين، وَإِلحَاق المضرّة بِهمْ.[12]

          وَاشتهرَ مِنْ كُتَّابِ الدّواوين آنذَاك، أَبُو العَلاء بِنْ ترِيك وَكَانَ مُحبًّا لِلعلمِ، وَيَعملُ فِي دِيوانِ المُكَاتبَات،[13] ثُمَّ عَمل فِي بَيْتِ المَال،[14] وَيُعدُّ الرّاهب أَبُو نجَاح بن مِينَا مِمَّنْ اشتهرَ أَمرهمْ فِي خِلافةِ الآمر، وَلُقّبَ بِالأَبِ القدِّيس، وَالرُّوحَانِي النّفِيس، وثَالث عَشر الحوارِيِّين.[15]

          وَكَانَ فِي أَوّل عَهْدِهِ جَودًا كَرِيمًا، لَكنَّهُ مَا لَبث أَنْ استبدَ بِالسُّلطةِ؛ فَغضِبَ لِذَلِكَ الآمرُ، وَأَمرَ بِتسلِيمهِ إِلَى الشُّرطةِ،[16] وَبِعَزلِهِ هُوَ وَمَنْ مَعهُ مِنَ المُستخدَمِين المَسِيحِيِّين عَنْ وَظَائفِهمْ، وَإِحلال المُسلمِينَ مَحلّهم، كَمَا أَمرَ بِتطبِيقِ الأَحكَام الإِسلامِيّة المُغلّظة عَلَى النّصَارى، وَأَكدَّ عَلَى ضَرورةِ التّشدِيدِ عَلَيهمْ فِي الالتزَامِ بِهَا.[17]

خَامِسًا: عَصر الحَافظ لِدِينِ الله

لَمْ تَدمْ سِيَاسةُ عَدم استخدَامِ المَسِيحِيِّين فِي شئونِ الحُكمِ وَالإِدَارةِ طَويلاً، فَعِنْدَمَا تَولّى الحَافظُ الخِلافة، قَامَ بِإِسنَادِ مَهَام الوزَارةِ إِلَى أَحدِ المَسِيحِيِّين الأَرمن، وَهُوَ بهرَام الأرمِينِي فِي سَنةِ 1135م،وَعَظُمَ شَأنهُ عِنْدَ الخَلِيفة، حَتَّى كَثُرَ ذَمُّ الأُمرَاءِ المُسلمِينَ فِيهِ، وَتَعلّلوا فِي ذَلِكَ بِدِينِهِ. وَكَانَ لِلمَسِيحِيِّين فِي أَيَّامِ وزَارتِهِ نَفَاذَ الكَلمةِ وَعِزّةَ النّفسِ وَكُلَّ مَنصبٍ جَلِيلٍ فِي الدّواوين الكِبَار.[18] فاجتمعَ نَفرٌ مِنَ الأمرَاءِ وَالجُندِ وَعَامّةِ الشّعْبِ، وَاستنجدُوا بِرضوان بن ولخشي –وَكَانَ أَحد أمرَاءِ الحَافظ المُقربِين، وَكَانَ يُلقّبهُ بِلقب "فحلِ الأمرَاء"- قَائلِين: مَنْ سِواك يُنقذُ المُسلمِينَ مِنْ صَلفِ وَتعنتِ الأَرمن، وَأَعلم عِلمَ اليَقِينِ أَنّهمْ إِنْ قَويت شوكتهمْ أَكثر مِنْ هَذَا تَنصّر كَثِيرٌ مِنَ المُسلمِين. فَحشدَ ابنُ ولخشي الجُندَ وَرفعَ المصَاحف عَلَى أَسنّةِ الرِّمَاحِ.[19]

          وَرفضَ بهرَام قِتَال المُسلمِين،[20] وَذَهب إِلَى قُوص، فَوجد أَهلهَا قَدْ ثَاروا ضِدَّ وَاليهَا البَاسَاك –أَخِيه- وَقَتلُوه؛ فَلجأ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الدِّير وَزَهدَ فِي أمُورِ السُّلطة وَالسِّيَاسةِ، وَلَمَّا زَال أَمر ابن ولخشي، عَرضَ الحَافظُ عَلَى بهرَام الوزَارة ثَانِيةً، وَلَكِنّهُ رفض.[21] وَلمَّا مَاتَ، حَزنَ عَلَيهِ الحَافظُ أَشدَ الحزنِ، وَأَمر بِإِغلاقِ الدّواوين ثَلاثة أَيَّام، وَخَرجَ فِي جنَازتِه.[22]

          وَأستوزرَ الحَافظ رضوان بن ولخشي بَعد بهرَام، الَّذِي أَمرَ بِعدمِ استخدَامِ أَهلِ الذِّمّةِ فِي الأَعمَالِ السِّيَادِيّة، كَمَا أَمر بِأَنّ يَشدُّوا أَوسَاطهمْ بِالزّنَارِ وَأَلا يَركبُوا الخَيل، كمَا ضَاعفَ الجِزية عَلَيهمْ. وَمِمَّا تَجدرُ الإِشَارة إِلَيه أَنَّهُ بَعْدَ زَوال وزَارة بهرَام، لَمْ يَتولَّ أَحدٌ مِنَ المَسِيحِيِّين الوزَارة حَتَّى سقُوط الدّولة الفَاطمِيّة وَقِيَام الدّولة الأَيوبِيّة فِي سَنةِ 1169م.[23]

خَاتمة   

مِنْ خِلالِ تَتبّع عصُور الخُلفَاء الفَاطمِيِّين، وَالدّور السِّيَاسِي الَّذِي اضطلعَ بِهِ المَسِيحِيّونَ فِي مِصر -وَاستعرَاض مَا كَانَ لَهمْ مِنْ بَاعٍ طَويلٍ فِي إِدَارةِ شؤون البِلاد، وَكَيْفَ كَانَ مِنْهمْ الوزرَاء وَالكُتَّاب وَعُمَال الدّواوين، وَكَيْفَ نَالَ الكَثيرونَ مِنْهمْ ثِقة الحُكَام، فَحَازُوا عَلَى رضَائِهمْ وَحظوتِهمْ- يَظهر كَيْفَ تَبَاينت مَواقف الحُكَّام المُسلمِين مِنْ أَهْلِ الذِّمّةِ؛ مِمَّا يُبيّن عَدم وضُوح النّصّ القُرَآنِي بِشأنِ كَيفِيّة التّعَاملِ مَعَ المَسِيحِيِّين وَاليَهود، وَمِنْ ثَمَّ، فُتحَ البَاب عَلَى مِصرَاعِيه أَمَام أَمزجةِ الخُلفَاءِ المُتبَاينة وَوجهَات نَظرِ التّأويل وَالاجتهَاد فِي النّصّ.

كَمَا يَتجلَّى كَيْفَ كَانَ المَسِيحِيّونَ أَهْلَ خِبرةٍ وَمَهَارة، جَعلتهمْ أَكفَاء لِتحمّل أَعبَاء السِّيَاسة وَتبعَاتِهَا، فَقدْ كَانُوا عَلَى دِرَايةٍ بِكيفِيةِ إِدَارة شئون البِلاد وَتَسِيير الأمور بِمَا يُحقق للحُكَامِ مَصَالحهمْ. كَمَا يَتبيّن مَدى مُعَانَاة الكثِيرِينَ مِنْهمْ فِي سَبِيلِ إِثبَاتِ حُسنِ النّيّة وَنَوال الثّقة، خَاصّةً فِي ظِلِ نَعرة التّمِييز الدِّينِيّ؛ مِمَّا دَفعَ بِالبعضِ إِلَى إِشهَارِ إِسلامِهِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الأَمر غَيْر ذِي جَدوى فِي ظِلِ سِيَادة التّفرقة بَيْنَ مَنْ هُوَ عَربِيّ وَمَنْ هُوَ مُستعرب.

يَتبيّنُ كَذَلِكَ مَدى سَمَاحة بَعض الخُلفَاء الفَاطمِيِّين فِي مُعَاملتهمْ مَعَ الأَقلِيَاتِ وَخَاصّةً المَسِيحِيِّين، فِي حِين اتصف بَعضهمْ بِأَمزجةٍ مُتقلّبة، فَتَارة يَكُونُ سَمِحًا وَتَارة يَكُونُ فَظًا قَاسِيًّا. كَمَا يَظهرُ كَيْفَ كَانَ العصرُ الفَاطمِيّ عَصرًا لِلدّسَائسِ وَالمكَائد وَالوشَاية، وَالَّتِي كَانَتْ تَجدُ أذَانًا مُصغِيةً مِنْ قِبلِ الخُلفَاء الفَاطمِيِّين.

يَظهرُ أَيْضًا كَيْفَ كَانَ أولئك المَسِيحِيّونَ المُستخدمِين فِي أَعمَالِ الدّولةِ الفَاطمِيّة بِمثَابةِ طَوقِ نَجَاةٍ لإِخوانِهمْ، إِذْ كَانُوا أَدَاةً قَويةً لِلذودِ عَنْ بَنِي مِلّتهمْ مِنْ أَيّ ظُلمٍ، حَيْثُ اهتمّوا بِرعَايةِ مَصَالحهم، وَأَلحقُوهمْ فِي الوظَائفِ العَامّة، وَعملُوا عَلَى بِنَاءِ الكَنَائس. فِي حِينْ سَاءت تَصرفَات فِئةٍ قَلِيلة مِنهمْ، فَنزعُوا إِلَى القَسوةِ وَالغِلظةِ فِي التّعَاملِ مَعَ المُسلمِين، إِذْ كَانُوا يَرون أَنَّ مَا فَعلهُ بِهمْ المُسلمُونَ عَبر سَنوات الحُكم الإِسلامِيّ خَيرَ مُبررٍ لِمَا قَامُوا بِهِ مِنْ إِلحَاقِ الضّرر بِالمُسلمِين.

يَتبيّن كَذَلِكَ كَيْفَ كَانَتْ أَيَّامُ وزَارةِ المَسِيحِيِّين أَيَّامَ رَغدٍ وَثَرَاء، وَكَيْفَ كَانَ هَؤلاء الوزراء أَوفيَاء لِلحُكَامِ وَلِبَلدِهمْ مِصر، فَعملُوا عَلَى إِصلاحِ الدّواوين، وَتنمِيّة مَوارد خَزائن الدّولة الفَاطمِيّة، وَحَافظُوا عَلَى ازدهَارِ البلاد، فَكَانوا خَيرَ قَادةٍ سِيَاسِيين وَأَعظمَ شَهَادةٍ عَنْ سموِ تَعَالِيمِ دِينهمْ. إِلاّ أَنَّ بَعضهمْ رَأى فِي النّظمِ الإِدَارِية فِي الشّرقِ الإِسلامِيّ فُرصةً لِإِشبَاعِ نَهمِهِ إِلَى الانتقَامِ وَالتّشفِي، أَوْ لِتحقِيقِ مَنَافعٍ شَخصِيّة؛ مِمَّا دَفعهمْ إِلَى الظُّلمِ وَالخِيَانةِ.

يَتجلّى أَيضًا كَيْفَ أَنَّ مَذهب المِصرِيّين السُّنِّي المُغَاير لِمذهبِ الدّولة الفَاطمِيّة، كَانَ أَحدَ أَهمِّ الأَسبَابِ الَّتِي فَتحت أَمَام المَسِيحِيِّين المِصرِيِّين البَابَ إِلَى لَعِبِ دَورًا مِحورِيًّا فِي السِيَاسةِ وَكَافةِ أَصعدةِ صِنَاعة القَرار، إِذْ خَشِيَ الفَاطمِيّونَ مِنَ المُسلمِينَ المِصرِيّين، فَعمدُوا إِلَى الارتكَانِ إِلَى المَسِيحِيّينَ فِي إِدَارةِ شئونِ البِلاد، نَظرًا لِمَا اتصفُوا بِهِ مِنْ دِرَايةٍ وَخِبرةٍ فِي تَصرِيفِ شئونِ بِلادهمْ، هَذَا بِالإِضَافةِ إِلَى اتسَامِهمْ بِالدِّعَةِ وَمخَافةِ الله، أَيْضًا شعُورهمْ بِالضّعفِ الَّذِي يُلازم عَادةً الأَقلِيَات.

يَتضّحُ بِمَا لا يَدعُ مَجَالاً لِلشّكِ أَنَّ العَقلِيّةَ الإِسلامِيّة تَأبَى فِكرة سَيطرة وَسِيَادة غَيْر المُسلمِ عَلَى المُسلمِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ غَيْرُ المُسلمِ صَاحِبَ الاختصَاصِ، وَالأَفضل عِلمًا وَخُلقًا، وَهَذَا الأَمر يُعدُ مُتأصلاً فِي الوجدَانِ الإِسلامِيّ، نَظرًا لِمَا يَتضمّنهُ القُرآن مِنْ تأكِيدٍ عَلَى أَنَّ المُسلمِينَ هُمْ خَيرُ أُمّةٍ، وَمِنْ ثَمَّ، يُغَذِّي هَذَا التّأكِيد القُرآنِي شُعور المُسلمِينَ بِالأَفضلِيّةِ عَنْ بَقِيّةِ البَشرِ.

أَخِيرًا يُقدّمُ الكَاتبُ مَقَالَهُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَدّعِي أَنّهُ كَأقلِيّةِ لا يَستطِيعُ أَنْ يَقومَ بِتأثِيرٍ عَلَى مُجريَاتِ الحَيَاةِ السِّيَاسِية، فَها هُمْ المَسِيحِيّونَ المِصرِيّونَ رغم أَنّهمْ كَانُوا أَقلِيّةً إِلاَّ أَنّهمْ كَانُوا عَلامةً فَارقةً فِي تَارِيخِ بِلادِهمْ.

يُقدّمُ مَقَالهُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَدّعِي أَنَّ مِصر لَيْست وطنهُ، إِلَى كُلِّ مَنْ لا يَفِيضُ فُؤاده بِالانتمَاءِ وَالولاءِ لِبلادِهِ، بِعلِّةِ سِيَادة دِينٍ غَير دِينِهِ عَلَى مَقَالِيدِ الأمورِ، لِكَي يَعِي أَنَّهُ يَحيَا فِي بَلدٍ عَاشَ فِيهِ أَجدَادُهُ الأَوفيَاء وَهُمْ يُصرُونَ أَنّهُ بَلدهمْ فَقدمُوا مِنْ أَجْلِهِ جُلّ طَاقَاتِهمْ وَإِمكَانِيَاتهمْ، وَتحدوا واقعهم وَعَاشُوا مبَادئهمْ، فَخطت أَيدِي أَعدَائهم قَبلَ أَيدِي أَقرَانهم أَسمَائهمْ فِي صفحَاتِ التَّارِيخ، مُسجّلة عَظِيم أَفعَالهمْ.

يُقدّمُ مَقَالَهُ إلَى كُلِّ مُتعصّبٍ يَرى فِي الانكفَاءِ عَلَى بَنِي مِلّتِهِ حَلّاً لِلحفَاظِ عَلَى هويتِهِ وَأَصَالةِ عِرقِه، فَهَا هُمْ المُسلمُونَ فِي الدّولةِ الفَاطِميّة لَمْ يَصبهمْ إِيَّ انتقَاصٍ مِنْ هويتهم عِنْدمَا استعَانُوا بِمَنْ هُمْ أَهْلُ خِبرةٍ وَاختصَاصٍ حَتَّى وَإِنْ كَانَ مُخَالفًا لِمذهبهمْ الدِّينيّ. وَليعلمَ الجَميع أَنَّ مِصر بَلادٌ لا يَصلحُ أَنْ يَكُونَ وطنًا لِبعضِ المِصرِيّين دُونَ غَيْرِهمْ بِسببِ انتمَاءٍ دِينِيٍّ أَوْ عِرقيٍّ.


[1]أَتبَاع مَذهب الخُلفَاء العَبّاسِيِّين.

[2] وُلِدَ جَوهر الصّقلِي عَام 928م، وَهُوَ مِنْ أَصلٍ كُرواتِي. أُسر أَثنَاء الحرب بَيْنَ كُرواتيا وَفينيسيا. أَصبحَ بَعْدَ ذَلِكَ قَائدَ القُواتِ الفَاطمِيّةفِي عَهْدِ المُعزِّ لِدينِ الله، الَّذِي اعتقهُ وَجَعلهُ مِنَ المُقرّبِينَ إِلَى البَلاطِ الفَاطمِيّ، وَسُرعَان مَا أَثبتَ كَفَاءتَهُ بِأنْ ضَمَّ مِصرإِلَى سُلطَانِ الفَاطمِيِّينَ، وَأَنشَأ مَدِينةَ القَاهرةعام 969م، بِأَمرٍ مِنَ المُعزّ لِدينِ الله، بِهدفِ جَعلِهَا عَاصمةً لِلدّولةِ الفَاطمِيّة، ثُمَّ أَمرَ بِبنَاءِ الجَامع الأَزهرلِيَكُونَ مَركزًا عِلمِيًّا وَدِينيًّا. انظر: جَوهر الصّقلِي- وِيكِيبِيدِيَا، الموسُوعة الحُرّة. ar.wikipedia.org/wik

[3] يَعقُوب بن يُوسف بن إِبرَاهِيم بن هَارُون بن كلّس (930م- 990م) وُلِدَ فِي بَغدَاد. كَانَ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَسلم. وَلّاهُ العَزيز نَزَار بِنْ عَبد المُعزّ العبِيدِي الوزَارة.انظر: يَعقُوب بن يُوسف- وِيكِيبِيدِيَا، الموسُوعة الحُرّة. ar.wikipedia.org/wik

[4]الْمرجعُ السَّابق.

[5]تَقِي الدِّين أَحمد بن عَلِيّ المَقرِيزِي، اتِّعَاظُ الْحُنَفَا بِأَخْبَارِ الأَئِمَّةِ الخُلفَا، تَحقِيق جمَال الدِّين الشّيَال (القَاهرة: وزَارة الأَوقَاف: المجلس الأَعلَى لِلشئونِ الإِسلامِيّة، 1996)، 277.

[6]حَمزة بن أَسد بن عَلِيّ المعرُوف بِابنِ القَلانسِي، ذَيلُ تَارِيخ دِمشق لابنِ القَلانسِي، تَحقِيق سهيل زكَار (دمشق: دَار حَسَان لِلطِّبَاعةِ وَالنّشرِ، 1983)، 33.

[7]يَحِيى بن سَعِيد الأَنطَاكِي، تاريخ الأنطَاكِي المَعرُوف بِصِلةِ تَاريخ أوتِيخَا، تَحقِيق عمر عبد السّلام تَدمرِي(طَرَابلس: جروس برس، 1990)، 176.

[8]حَمزة بِنْ أَسد بن عَلِيّ المعرُوف بِابنِ القَلانسِي، ذَيلُ تَارِيخ دِمشق لابنِ القَلانسِي، المرجِعُ السَّابق، 187.

[9]المَرجِعُ السَّابق.

[10]المَرجِعُ السَّابق،61، 62.

[11]المرجِعُ السَّابق، 62- 64.

[12]ابنُ النّقَّاش مُحمّد أَبو الهيثم إِبرَاهِيم، الْمذمّة فِي استعمَالِ أَهْل الذِّمّة، تَحقِيق عَبد الله إِبرَاهِيم الطّرِيقِي، ط.1 (الرّيَاض: دَار المُسلم، 1995م)، 91.

[13]وَكَانَ مَنْ يَتولَّى دِيوان المُكَاتبَات مِنْ أَجلِّ كُتَّابِ البلاغةِ، وَكَانَ يُكنَى بِالشِّيخِ الأَجلِّ، كَذَا كَانَ الخَلِيفةُ يَستشِيرهُ فِي أَكثرِ أمُورِهِ. انظر: تَقِي الدِّين أَحمد بن عَلِيّ المَقرِيزِي،الْمواعظُ وَالاعتبَار بِذكرِ الخطط وَالآثَار: الخطط المقرِيزِيّة، ج. 2 (القَاهرة: مَكتبة مَدبُولِي، 1998)، 244.   

[14]سَاويرُس ابن المُقفع، سِير الآبَاء البَطاركة: المُجلّد الثَّالِث، ج. 1، المرجع السَّابق، 25، 26.

[15]تَقِي الدِّين أَحمد بن عَلِيّ بن المَقرِيزِي، اتِّعَاظُ الْحُنَفَا بِأَخْبَارِ الأَئِمَّةِ الخُلفَا، المرجع السَّابق، 130.

[16]هُنَاك مَنْ يَقُول إِنَّ الخَلِيفةَ أَمرَ بِضربِهِ بِالنِّعَالِ حَتَّى يَموت. انظر: المَرجع السَّابق.

[17]فَاطمة مُصطفَى عَامر، تَاريخُ أَهْلِ الذِّمة فِي مِصْر الإِسلامِيّة، المَرجع السَّابق، 196.

[18]المَرجع السّابق، 30، 31.

[19]تَقِي الدِّين أَحمد بن عَلِيّ المَقرِيزِي، اتِّعَاظُ الْحُنَفَا بِأَخْبَارِ الأَئِمَّةِ الخُلفَا، المرجع السَّابق،137.

[20]سَاويرُس ابن المُقفع، سِير الآبَاء البَطاركة: المُجلّد الثَّالِث، ج. 1، المرجع السَّابق، 30، 31. وَقِيل إِنَّ الخَلِيفةَ هُوَ مَنْ أَشَارَ عَلَيه بِالخرُوجِ مِنَ القَاهرة إِلَى أَخِيهِ البَاسَاك فِي قوص.

[21]المَرجع السَّابق، 33.

 [22]فاطمة مُصطفَى عَامر، تَاريخُ أَهْلِ الذِّمة فِي مِصْر الإِسلامِيّة، المَرجع السَّابق، 285.

[23]الْمَرجِعُ السَّابق.

ليس صواباً التساؤل عما إذا كانت المخاوف المسيحية من "الربيع العربي" لها ما يبررها. لعل الصواب هو التساؤل كيف يمكن توظيف المخاوف المسيحية لدفع حركة "الربيع العربي" قدماً الى الأمام.

إن من طبيعة حركات التغيير أنها تفتح آفاقاً واسعة أمام قوى تجد في التغيير مدخلاً لطرح ذاتها بديلاً، ومناسبة لفرض مبادئها وأفكارها وتطلعاتها. وأن تجد في التغيير، مناسبة ومدخلاً لطرح ذاتها بديلاً. ومن هذه القوى جماعات التطرف الإسلامي، وسواها من الجماعات السياسية أو المسيسة. وإذا كان من حقها اقتناص الفرصة المؤاتية، أي فرصة، فإن من حق مسيحيي الشرق أيضاً الإعراب عن مخاوفهم من الشعارات التي يرفعها بعض هذه القوى ويسعى الى تنفيذها. ومن هذه الشعارات ما يدعو الى اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً للتشريع، وذلك في ضوء الاعتقاد الاحتكاري للحقيقة.. وهو اعتقاد إلغائي للآخر المختلف، أياً كان هذا الآخر، مسلماً أو مسيحياً.

واجه مسيحيو الشرق تجربتين مُرّتين أثارتا قلقهم ومخاوفهم. كان العراق مسرح التجربة الأولى. فالإطاحة بحكم صدام حسين الذي تميز بالاستبداد والتفرد بالسلطة، أطلق العنان بعد سقوطه أمام حركات التطرف الديني. وكان المسيحيون العراقيون ضحايا هذا التطرف. إذ هدمت كنائس وأحرقت بيوت ونهبت، وقتل رهبان وهجرت عائلات مسيحية. ونتيجة لذلك انخفضت نسبة المسيحيين العراقيين إلى ما دون الربع عما كانت عليه قبل التغيير.

(1)

لا اخشى على الامة العربية من عدو خارجي، فهذه الامة مطعمة ضد الاندثار والانكسار.. ومهما طال الزمن ومهما بدت في حالة موات، الا انها في لحظة ما تنهض، فتعاد الامور الى نصابها.. عودوا الى التاريخ لتتيقنوا من صحة ذلك.

 

لكننا نخشى على الامة من اعداء الداخل، أولئك الذين يعملون لصالح اجندات خارجية، او من أصابهم الجهل فصدئت عقولهم واصيبوا بعمى الالوان ولم يعودوا يميزون ما بين الطارئ وما بين اصول وعمق حضارتنا العربية الاسلامية.

 الفلسطينيون المسيحيون من هم؟ هم فلسطينيون مثل كل فلسطيني.

1- ليسوا عددًا يُقَدَّرون به أو نسبة مئوية. ليسوا كذا ألف أو كذا بالمئة. بل هم كل الشعب

مع كل الشعب. هم إنسان مئة بالمئة مثل كل فلسطيني ومثل كل إنسان في أي موقع أو قومية أو دين كان. وعلى هذا الأساس يتم التعامل مع كل فلسطيني.

ما يميز إنسانا عن إنسان وما يميز فلسسطينيا عن فلسطيني هي كفاءاته ومؤهلاته، وهذا الاختلاف جائز ومطلوب لبناء كل جماعة. ولكنّ الكفاءات خادمة للجماعة وبانية لوحدتها، وليست للسيطرة أو الاعتداء. عندما تصبح الكفاءات مبررا للسيطرة أو للاعتداء بَطُلت وحُرِّفَت عن غايتها. وعلى الإنسان صاحب الكفاءة إذ ذاك أولا أن يصلح نفسه ليعود خادما وبانيا، ويكف عن أن يكون مسيطرا أو معتديا.

"العرب المسيحيون هم من صميم الأمة العربية ولا نستطيع تصور تاريخ العرب إلا وهو ممزوج بتاريخ المسيحية والمسيحيين"

 

من هذا المنطلق أصدر الأب "سهيل قاشا" الجزء الثالث من سلسلة الكنائس المسيحية الشرقية فى كتاب  بعنوان "صفحات من تاريخ المسيحيين العرب قبل الإسلام".

    وقد قسم الأب سهيل بحثه على ثلاثة محاور:

    • الأول: المسيحية فى العراق، ويذكر الأب سهيل أن المسيحية انتشرت فى العراق منذ بداية القرن الأول الميلادى، حيث يؤكد أغلب المؤرخين أنها انتشرت على يد الرسول "مار أدى" فى الحيرة والمدائن والأنبار وعين التمر وميشان ومناطق أخرى. ومن القبائل العربية التى تنصرت فى العراق: بنو عجم بن لجيم من قبائل بكر بن وائل، وأشهر قبائل العراق المسيحية قبل الإسلام هم بنو تغلب.

    • الثانى: المسيحية فى بلاد الشام، وقيام مملكة الغساسنة وما قدمته من خدمات فى تعضيد الكنيسة السريانية اليعقوبية.

ليس ثمّة إجماع لدى اللاهوتيّين في شأن الموقف الواجب من اللاهوت السياقيّ. فمنهم مَن يجعل اللاهوت جوهرًا لا يتغيّر بتغيّر السياق التاريخيّ أو الاجتماعيّ أو الثقافيّ، ومنهم مَن يقول بأنّ اللاهوت من دون الالتفات إلى السياق الذي يحيط به، هو لاهوت عقيم لا أثر له في حياة المؤمنين والمجتمع. لذلك، مثلاً، لم يتمّ الإجماع حول لاهوت التحرير في أميركا اللاتينيّة والقارّة الإفريقيّة.

يخوض الباحث أنطوان فليفل في كتابه "اللاهوت السياقيّ العربيّ، النموذج اللبنانيّ" (بالفرنسيّة، دار لارماتان، باريس، 2011) غمار هذا اللاهوت. فيستخرج الأفكار الأساسيّة من مؤلّفات خمسة لاهوتيّين لبنانيّين أخضعوا رؤاهم اللاهوتيّة للسياقات التاريخيّة والحضاريّة والثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة، والذين عملوا في سبيل استنباط لاهوت مسيحيّ يلتزم قضايا شعوبهم ومنطقتهم. هؤلاء الخمسة اللاهوتيّين هم: الأب ميشال حايك، والأب يواكيم مبارك، والمطران غريغوار حدّاد، والمطران جورج خضر، ومشير عون.

صدر في العديد من الصحف ودوائر الإعلام الغربي تحقيقات صحفية خاصة عن وضع المسيحيين في العالم العربي وفي بلدان الجوار، وبخاصة إيران وتركيا، ونفهم من هذه التصريحات أن ظاهرة نزوح المسيحيين من العالم العربي وهجرتهم إلى الغرب ظاهرة مقلقة وخطرة على العالم العربي والإسلامي نفسه سواء من الناحية الحضارية أو الثقافية، وفي تصريح للأمير طلال عبد العزيز آل سعود قال: (يتعرض العالم العربي لنزيف بشري واجتماعي وسياسي واقتصادي على جانب كبير من الخطورة وهو هجرة العرب المسيحيين التي لم تنقطع منذ عدة أعوام).