gototopgototop
Get Adobe Flash player

ترجم الموقع إلى لغتك

من كتاباتي

  • الموت في المفهوم المسيحي
  • المفهوم المسيحي للعشاء الرباني
  • نؤمن بإله واحد
  • عودة المسيح ثانية ودينونة العالم
  • الزواج في المسيحية
  • المفهوم اللاهوتي للثورة
  • الثالوث في المسيحية توحيد أم شرك بالله

ابحث في الموقع

رأيك يهمنا

هل تعتقد أن الأعمال الحسنة والأخلاق الجيدة تؤدي بالإنسان إلى الجنة؟
 

زوار من كل مكان

free counters

المتواجدون الآن

يوجد حالياً 1 زائر متصل
الرئيسية مقالات ومختارات مقالات مناسبات القيامة سؤال ما بعد القيامة؟ -

لقد انفرد يوحنا بتدوين أحداث هذا الأصحاح كنهايةمناسِبة لإنجيله، رغم ما يبدو أنَّ (32،31:20) نهايته. حيث دوَّن مُعجزة ما بعدالقيامة، ليس فقط كبرهان قوي على صحَّة قيامة المسيح، بل كأساس لخدمة الكنيسةوالمؤمنين التي ستمتدّ في العالم، حيث سيختبرون: الفشل، ثم النجاح، ثم الشِّبع. كماانفرد أيضاً بتدوين حوار بين المسيح وبطرس بعد القيامة،

الذي تميَّز بفنّ استخدامالألفاظ، التي لا تظهر بوضوح في الترجمة العربية. ذلك الحوار الذي لابُد تركانطباعات لا يُمكن أن تُمحى من نفسية بطرس. يشدِّد يوحنا على سؤال المسيح لبطرس"أتحبني؟" ثلاث مرَّات، ومع كل إجابة لبطرس كانت هناك مهمَّة يُكلَّفبها.

أما زمان ومكان هذا الحوار فهو على قدر كبير منالأهمية. أما الزَّمان فهو بعد قيامة المسيح، وبعد مُعجزة الإنجاح والإشباع. حيثكان بطرس، آنذاك، في أشدّ الحاجة للتشجيع، خاصةً بعد أنْ أخطأ وأنكر المسيح ثلاثمرَّات. فكان في شديد الحاجة لغفران يسوع وتأكيده. فعلى شاطئ هذه البُحَيْرة تقلَّدبطرس مهام وظيفته لأول مرَّة قبل ثلاث سنوات، حين قال له يسوع: "مِن الآن تكونتصطاد الناس". وها هو الآن يستردّ مهام وظيفته الرسولية، ليس كفرد، بل كنموذج لبقيةالرسل والكنيسة. فإنَّه على مقربة من جمرٍ مُتَّقد أنكر معلِّمه أمام جارية، وبجانبجمرٍ مُتَّقدٍ أيضاً نال الضمان والغفران.


أما المكان فهو بحر طبرية، وما أكثر الأحداث التيجرت على هذه البُحيرة: فعلى مائها وقف المسيح في قارب يعلِّم الجموع.. وعلى ضفافهاأشبع الآلاف بقليل من الخُبز والسمك.. وإلى رياحها أصدر أمره بأن تسكُن.. وعلى صفحةمائها سار بقدميه، وجعل بطرس أيضاً يسير.. ومن مائها اصطاد التلاميذ السمك الكثير،يوم أن دعاهم في بدء خدمته ليتبعوه.. ومن مائها أيضاً اصطاد التلاميذ السمك الكبيرفي ذلك اليوم.. وعلى شاطئها تسلَّم بطرس مهام وظيفته كصيَّاد للناس، ثمَّ استردَّوظيفته كراعٍ لقطيع المسيح. فبُحيرة طبرية/ بحر الجليل، مكان مُزدحم بالذكرياتالرائعة التي حُفِرت في السجلّ المقدس.

أشواكالورد:
في قصيدة لشكسبير قال: للورد أشواكٌ وللينابيع الفضيَّةطينٌ، والآفات الكريهة تتواجد في أحلى البراعم، وكلُّ البشر يرتكبون الأخطاء. لقدكانت لبطرس أخطاؤه بالتأكيد، وكانت الأشواك بين ورد بُستانه. فرغم أن طبيعته كانينصقها الهدوء والدفء، إلا أنَّ تحت مظهره القاسي هناك قلب مُلتهِب مُحِبٌ صادق. فإنَّ أسوأ آفات القلب البشري هو البرود، ورغم كلّ ما يمكن أنْ نراه مِن أخطاءبطرس، فقد كان قلبه مُلتهِباً دائماً، حتى أنَّه كان يُعبِّر عمَّا في قلبه فيالوقت الذي كان يجب عليه أنْ يصمُت. فلم يكن بحاجة إلا للمزيد من القُدرة علىالتحكُّم، الأمر الذي تعلَّمه شيئاً فشيئاً تحت إرشاد وتوجيهات معلِّمه. وها هو هنايتعرَّض لمزيد من عملية الغربلة. كان يسوع أميناً ورقيقاً في استجوابه لبطرس، وكانبطرس واضحاً ودقيقاً في أجوبته، مُعلناً حُبَّه القوي المُلتهِب. في هذا الحوار نرىثلاثيات: ثلاثة أسئلة، وثلاثة إجابات، وثلاث مُهمَّات:

الثلاثيةالأولى:
وجَّه المسيح سؤاله لبطرس من دون بقية التلاميذ، لأنَّبطرس هو الذي ادَّعى قبلاً بأنه مُختلِف عنهم، حين قال: "وإنْ شكَّ فيك الجميع فأنالا أشكّ". وفي سؤال المسيح: "يا سمعان بن يونا، أتحبُّني أكثر من هؤلاء؟" نلاحظ: (1) لقد خاطبه في المرَّات الثلاث باسمه القديم (سمعان بن يونا)، وينا تعني: حفنةرمال. فكأنَّه أراد أنْ يقلِّب له صفحات الماضي، ويذكِّره بأنَّ إنكاره إياه جعلهلا يستحق لقب (بطرس) الذي يعني: الصخرة القوية.

(2) لقد سأله ثلاث مرَّات "أتحبني؟". وهناك كلمتان فياللغة اليونانية تُترجمان في العربية (محبة): الأولى [أغابي] وتعني المحبة في أجملوأكمل وأقوى مظاهرها ودرجاتها. الثانية [فيليه] وتعني المحبة في مظاهرها العاديةالطبيعية، فهي مجرَّد الاحترام ومودَّة الأصدقاء. ففي سؤالي المسيح الأول والثانياستخدم الكلمة الأولى، بينما استخدم بطرس في إجابتَيْه الكلمة الثانية. فكان سؤالالمسيح عن المحبة القوية الباذِلة المُضحية، وكان جواب بطرس عن محبة عادية، هيمجرَّد مودَّة وصداقة.

(3) في سؤاله الأول فقط أضاف "أكثر من هؤلاء". وقدتكون الإشارة إلى السفينة والشبكة وأدوات الصيد. وقد تكون الإشارة إلى بقيةالتلاميذ. فكأنه سأله: هل تحبني أكثر من محبتك لهذه الماديات؟ هل تحبني أكثر منمحبتك لمهنتك/ الصيد؟ أو: هل تحبني أكثر ممَّا يحبني هؤلاء؟ هل تحبني أكثر من يوحناالذي لم يفارقني عند الصليب، الذي عُرف بأنَّه التلميذ الذي كان يسوع يحبّه؟ لقدكان السؤال في أيٍّ من المعنيَيْن تحدياً كبيراً لبطرس، وكانت الإجابة الصادقةالأمينة تحتاج إلى قرار حازم وواضح، فهذه نقطة تحوُّل عظيمة في حياةبطرس.

فجاءت إجابته: "نعم يا ربّ، أنت تعلم أنِّي أحبّك"،ورغم ما فيها من إحساس بالضَّعف، إلا أنَّها كانت أمينة. فلم يدَّع، كما فعل منقبل، أنَّه أفضل مِن زملائه حُباً لسيِّده. لقد قال للجارية: لست أعلم عمَّاتتحدَّثين. لكنه يقول للمسيح هنا: أنتَ تعلم يا رَبّ مقدار ودرجة محبتي لك. فحتى لوكانت أعمالي تبيِّن أنِّي أحبّك، لكنك أنتَ تعرف حقيقة ما في قلبي نحوك. لذلكاستخدم الكلمة الثانية [فيليه]، ولم يدَّعِ أنَّ محبته للمسيح قد وصَلَت إلى مستوىالتضحية والبَذْل.

قَبِل المسيح جواب بطرس الأمين الصادق، وأعطاه فُرصةجديدة يُبرهن بها على صدق هذه المحبة، وذلك بتكليف جديد: لو كنتَ تُحبني فعلاً،ارعَ خرافي. وما أعجب ما عمل المسيح! إنه لا يكتفي بالغفران لبطرس، بل يشرِّفه بأنيأتمنه على قطيعه. هنا ينتقل بطرس من مهنة الصيد إلى مهنة الرعاية. فالصيد هو عمليةإنقاذ النفوس من مخاطر ومهالك هذا العالم. لكن الرعاية هي عملية إطعام النفوس التيأُنْقِذَت وتدريبها وتقويتها. وبينما نصطاد السمك لنأكله، فإننا نرعى الخرافونُنقذها من الذئاب ونُطعمها ونهتمّ بها. إنها نقلة كبيرة في خدمة بطرس. ويجب أننلاحظ قوله "خرافي"، فالخراف هي للمسيح وليس لبطرس.

الثلاثيةالثانية:
عاد المسيح ووجَّه السؤال نفسه لبطرس: "يا سمعان بنيونا، أتحبُّني؟". وقد جاوب بطرس الإجابة نفسها: "نعم يا ربّ، أنت تعلم أنِّيأحبّك"، وقد زال منه كل أثر للزهو والاعتداد بالذات، واضعاً كل ثقته في المسيحالعارف بكل شيء. أما تكليف المسيح فقد جاء بكلمة أخرى: "ارعَ غنمي". إنَّ الهدف منتكرار السؤال هو أنْ يمتحن بطرس نفسه ويفكِّر جيداً، وفيه أيضاً تأكيد على أهميةالسؤال. فكأنَّه سأله: هل أنتَ متأكِّد يا بطرس مِن محبتك لي؟ أما التغيير الذي حدثفي التكليف فتظهَر أهميته لنا عندما نعرف أنَّ الخراف هي الحملان الصغيرة التي تبقىفي الحظيرة، أما الغنم فهي الخراف الكبيرة التي تخرج وترعى في الحقول. فكأنَّه قالله: ارعَ خرافي الصغيرة التي لا تقوى على مواجهة صعوبات الحقول حتى تكبُر، وارعَغنمي الكبيرة حتى تنمو وتنضُج وتُعطي إنتاجاً وفيراً. ارعَ الكبار والصغار،الأقوياء والضعفاء. كُن مُستعداً أن تبذل نفسك عن الرعية التي ائتمنتُك عليها، ولاتكُن كالأجير الذي ينتظر الأجرة، وليست الخراف له. إنها مسؤولية كلّ خادم للمسيح،أنْ يرعى رعية المسيح.

الثلاثيةالثالثة:
عاد المسيح ثالثة وسأل بطرس السؤال نفسه، مُستخدماالكلمة الثانية [فيليه]. ولعلَّ الثالثة ذكَّرت بطرس بإنكاره المسيح ثلاث مرَّات. فحزن إذْ شعر بأنَّ المسيح يشُكّ في محبته له. لذلك استخدم في إجابته كلمة (تعلم) وتعني المعرفة الإلهية الخارقة للطبيعة، وكلمة (تعرف) وتعني المعرفة الاختباريةالفاحصة. فكأنَّه قال ليسوع: أنت تعلم وتعرف كلّ شيء، حتى أسرار قلبي التي لاأعرفها أنا. فلساني الذي أنكرك لا يستحقّ الإقرار بمحبك. وأنت تعرف سقوطي المُفاجئبسبب قوة الظروف وضغطها عليَّ. وتعرف أنَّ هذه ليست طبيعتي. فانظُر إلى داخليواختبرني، ستجد أنِّي مُخلِص في محبتي لكَ، ومُستعِد أنْ أقوم بهذه المهمَّة كدليلعملي على صِدق محبتي.

فكم مرَّة يمكن أنْ يسألنا المسيح عن محبتنا له؟ لقدأعطى بطرس فرصة جديدة لكي يبرهن محبته، ولكي يمحو العار الذي لصق به بسبب إنكارهإياه. إنَّ غيره يذكر الخطأ ولا يغفر. وإذا غفر لا ينسى، وإذا نسي فلا يمكن أنيأتمن من خانه وأنكره. لكن المسيح يغفر ولا يذكُر، بل ويعود ثانية ليأتمن ذاك الذيأخطأ وأنكره. فلن يُجيب أحدٌ على سؤاله بالقول: لا أحبّك. بل الجميع سوف يتسابقونمُندفعين إلى إعلان محبتهم للمسيح. إلا أنه ينتظر بيان تلك المحبة بعمل رعايةلرعيته، صغاراً وكباراً.

فلم يكن سؤاله بعد القيامة: هل اقتنعت وآمنت بقيامتي؟ولا: لماذا ضعفت وأنكرتني رغم كلّ تحذيراتي لك، لماذا لم تفهم؟ لكن سؤاله كانومازال لكلِّ واحد منَّا: أتحبُّني؟ أتحبني أكثر مِن عملك؟ لديك فُرصة لتعبِّر عنصدق إجابتك. قد لا تكون لدينا موهبة يوحنا في روعة الكتابة عن المسيح، وقد لا تكونلنا حماسة بولس في خدمة المسيح الكرازية، لكننا نستطيع أنْ نرعى خراف المسيح،ونُطعمهم بالكلمة الإلهية الحيَّة.