gototopgototop
Get Adobe Flash player

ترجم الموقع إلى لغتك

من كتاباتي

  • الموت في المفهوم المسيحي
  • المفهوم المسيحي للعشاء الرباني
  • نؤمن بإله واحد
  • عودة المسيح ثانية ودينونة العالم
  • الزواج في المسيحية
  • المفهوم اللاهوتي للثورة
  • الثالوث في المسيحية توحيد أم شرك بالله

ابحث في الموقع

رأيك يهمنا

هل تعتقد أن الأعمال الحسنة والأخلاق الجيدة تؤدي بالإنسان إلى الجنة؟
 

زوار من كل مكان

free counters

المتواجدون الآن

يوجد حالياً 9 زائر متصل
الرئيسية عقائد ولاهوتيات فلسفة أديان هل يحق للمسيحي أن يتمرد على السلطة الحاكمة؟ (4/2) المسيحي بين الخضوع للحاكم والتمرد عليه -

يؤكّدُ الكتاب المقدّس في أَكثرِ من موضعٍ على أَهمِّيةِ الخضوع للسّلطاتِ، ويعتبرُ أَنَّ مَنْ يقاوم السّلطات فإِنَّما يقاومُ ترتيب اللهِ، بل يُوصي بأَنْ تُقامَ الصّلوات والابتهالات والتّشكرات لأَجْلِ المُلوك والَّذِين هُمْ في منصبٍ، فيقول:

«لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ
وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّــامَ لَيْسُوا خَوْفاً لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ. لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثاً إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذَلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضاً إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ» (رومية 13: 1- 7).
ولكي نُدركَ المعاني الإِنجيليّة للخضوعِ للسّلطاتِ الحاكمة بل والصّلاة لأَجلِهَا، واعتبار أَنَّ مَنْ يقاوم السّلطات إِنَّما يقاوم ترتيب الله، علينا أَن نعودَ قليلاً إِلى الفكرِ اليهوديّ السَّائد آنذاك، فقد آمنَ اليهود أَنَّهُ لا يجب الخضوع لحاكمٍ لا يدين باليهوديَّةِ، وقد كانوا يرتكزونَ في إِيمانِهم هذا لنصٍّ جاء في سِفْرِ التّثنية، ويقول: «مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِكَ تَجْعَلُ عَليْكَ مَلِكاً. لا يَحِلُّ لكَ أَنْ تَجْعَل عَليْكَ رَجُلاً أَجْنَبِيّاً ليْسَ هُوَ أَخَاكَ» (تثنية 17: 15)، لقد تمسّكَ اليهود بحرفيّةِ النَّصِّ، فكانوا لا يقبلونَ بحاكمٍ غَيْر يهودِيٍّ، ولأَنَّهم كانوا تحت الاحتلالِ الرُّومانيّ، فكانوا دائماً يُثيرونَ الشّغبَ ضدّ الحُكَّامِ، وهذا يُفسّرُ الاضطرابات الَّتي كانت تشهدها المُدن اليهوديَّة إِبَّان وقت المسيح، والسّؤال المُستفز الَّذي طرحهُ اليهود على المسيح قائلين: «حِينَئِذٍ ذَهَبَ الْفَرِّيسِيُّونَ وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلاَمِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ وَلاَ تُبَالِي بِأَحَدٍ لأَنَّكَ لاَ تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. فَقُلْ لَنَا مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لاَ؟». فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟. أَرُونِي مُعَامَلَةَ الْجِزْيَةِ». فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَاراً. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هَذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟». قَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا إِذاً مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ». (متى 22: 15-21)، لقد ارتبطت العقيدة اليهوديَّة بالحياةِ السِّياسيَّة، فَحسِبُوا أَنَّ المسيحَ جاء لِيُخلّصهم من سُلطةِ الاحتلال الرُّومانيّ، وأَن يَبسطَ نفوذ اليهودِ على العالمِ كُلّه، ويُحيي مَملكةَ داود، ويُعيد مجدَ اليهوديَّةِ الغابر، ولكنّهم صُدِمُوا من إِجاباتهِ، الَّتي أَرسى بِهَا حدود العلاقة بين المُواطنِ والحاكمِ، سواء كان هذا الحاكم من نفسِ الدِّينِ والعقيدةِ، أَو كان غريبُ الجنسِ.
وعلى منوالِ المسيح سار التّلاميذُ والرُّسل، فكتب الرّسول بُولُس: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ»، وكتب الرّسول بُطرس «فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ .. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ» (1بطرس 2: 3، 17).
وهُناك فرقٌ شاسع بين الخضوعِ والخنوعِ، فالخضوعُ هو إِقرارٌ واعٍ للعَلاقةِ الَّتِي بين الحاكمِ أَو المسؤولِ من جهةٍ، وبين الشّعْبِ أَو المُستَخْدَمِ من جهةٍ أُخرى، ودور كُلِّ منهما في تحقيقِ الأَفضل للجميعِ، فالإِنسان ميَّزهُ اللهُ بالحُرِّيَّةِ والمسؤوليَّة معًا في اختيارِ وتنفيذِ ما يُصدرَ إِليهِ من قراراتٍ، فمثلًا، حينَ يَصدُرُ أَمرٌ أَو قرارٌ من الحاكمِ أَو الجهةِ المسئولة، أَو من إِدارةٍ مَا، ويَرى مَنْ عليهِ تنفيذ هذا القرار أَنَّ فيهِ ضرراً أَو إِضراراً بالمصلحةِ العامّة بحسبِ وجهةِ نظرهِ، فالخضوعُ الواعي هُنَا يتطلّبُ منهُ شرحَ وجهةَ نظرهِ والدّفاع عنها بِكُلِّ ما أُوتِيَ من قُوّةٍ في الإِطارِ الشّرعيّ والسّلميّ، فإِذا استجاب الحاكم وعدَّلَ من قرارهِ أَو أَلغاهُ، يكونان معًا حقّقا الأَفضلَ للمُجتمعِ أَو الجماعة، أَما إِذا لم يستجيب الحاكم وأَصرَّ على تنفيذِ قرارهِ، فَهُنَا لا يكون أَمام مَنْ عليهِ تنفيذ القرار أَو المُتضرر منهُ، وبعد أَن شرحَ وجهةَ نظرهِ، إِلَّا طريقان لا ثالث لهما، إِمَّا رفض تنفيذ القرارِ، فيستقيلُ أَو يتنحّى مِن موقعهِ، أَو تنفيذ القرارِ بِكُلِّ إِخلاصٍ، على اعتبارِ أَنَّ المسؤوليةَ الكاملة ستقعُ على كاهلِ مَنْ أَصدرَ الأمر وليس على مَنْ ينفذهُ، فإِذا كان القرارُ أَو الأمرُ سليمًا ولم يَحدثْ الضّرر المُتوقّع منهُ، كان هذَا درسًا لِمَنْ في موقعِ التّنفيذِ، وإِن جاءَ الضّررُ حسبما توقّع مَنْ عليهِ تنفيذ القرارِ أَو الأمرِ، فإِنَّ المسؤولية –أَمام اللهِ- ستكونُ من نصيبِ الحاكم أَو مَنْ أَصدر القرار، في هذه الحالة يكون الخضوعُ خضوعاً. أَمَّا الخُنوعُ فهو تنفيذُ القراراتِ الصَّادرة من الجهةِ المسئولةِ أَو الحاكم أَو مَنْ بيدهِ الأمر، بدونِ مُناقشةٍ، رغمَ مَا قَدْ يكون لدى المُنفِذ أَو جهة التّنفيذِ من شكوكٍ أَو تحفّظات على القرارِ، لكنّها تُنفذهُ إِيمانًا منها أَو خوفًا مِن سُلطةِ مَنْ بيدهِ الأمر، وعلى الإِنسان المسيحيّ أَن يُدركَ أَنَّ ما أَوصى بِهِ الكتاب المقدّس هو الخضوع وليس الخنوع.
 ويُمكن أَن نَستخلصَ بعض المبادئ الكِتَابيَّة لفهمِ طبيعةَ العَلاقةِ بين الحاكمِ وشعبهِ، فالمبدأُ الأَوّل يتجلّى في الفهمِ الإِنجيليّ لمصدرِ سُلطةِ الدّولة، فَكما سبقَ وأَوضحنَا أَنَّ مُؤسّسةَ الدّولة أَقامها اللهُ ومنحهَا السّلطات لِرُقِي المُجتمع ولخيرِ الإِنسانيّة، فلا يجوز أَن ننظرَ للدّولةِ من خلالِ السّلطة الممنوحة لها فَقطْ، بل على كونِهَا تُقدّمُ خدمةً للمُجتمعِ ولِلصَّالحِ العامّ ولخيرِ شعبِهَا وتحقيق مصالحهُ والحفاظ عليها، إِلَّا أَنَّه لا يجوز أَبداً أَن «تتضخّمَ الدّولة، فَتُصبح سلطاتها مُطلقةً، فَالسّلطةُ المُطلقة والعِبادة يَخصّان الله وحدهُ. ينبغي أَن نحترمَ الدّولة، بصفتِها مُؤسّسة إِلهيَّة، لكن منح الدّولة ولاءً أَعمى وغير مشروط هو نوعٌ من عِبادةِ الأَوثان. لقد رفض المسيحيّون الأَوائل أَن يدعوا قيصر سيّدًا، إِذ أَنَّ ذلك اللقب يخصّ يسوع وحده.
المبدأُ الثَّاني يتلخّص في وضوحِ أَن قصدَ اللهِ من إِعطائهِ سلطةً للدّولةِ هو دعوةٌ لها لكي تكونَ خادمةً للبرِّ، فَتُكافئ الصّلاح وتُعاقب الشَّرّ. ولاشكّ أَنَّ دورَ الدّولة المُعاصرة هو المُحافظةُ على السّلامِ، وتعزيز العدالة، وحماية المُساواة وحقوق الإِنْسَانِ، والعناية بالفقراءِ....الخ، كما أَنَّ الدّولةَ كخادمةٍ للهِ يَجب أَن تُعاقبَ فَاعلي الشَّرِّ وتقدّمهم إِلى العدالةِ، وهي حين تُمارس هذا الدّور المُزدوج يجب أَن تُمارسهُ في درجةٍ كبيرةٍ من حُسنِ التّمييز، أَي بلا توزيعٍ مُقيدٍ للامتيازاتِ (عند الإِجادةِ) أَو مُمارسة العقاب الجماعيّ (في حالةِ الخطأ أَو كسر القانون).
 المبدأُ الثَّالث: إِنَّ الدّولةَ- في طريقِ مُمارستِهَا لسلطاتِهَا- يجبُ أَن تكونَ قراراتها غير خاضعةٍ للتّمييزِ أَو التّحكّم، وعندما تستخدم القُوّةَ فَلِحمايةِ البريء ومُعاقبة المُذنب، ويجب أَن يتمَّ دُونَ الوقوعِ في فخِّ «الاستخدام المُفرط للقُوّةِ». إِنَّ رومية 13 الَّتي تُرخّصُ استخدام القُوّة لأَجْلِ صيانة المُجتمع وحفظهِ، لا يُبِّرّر أَبدًّا الإِجراءات القمعيَّة الَّتي تستخدمُها الدّولةُ البوليسيَّة ضدَّ مواطنيها.
المبدأُ الرّابع: يُناقش هدف الخضوع للسّلطةِ المدنيَّة، فكما يُؤكّدُ الرّسول بُولُس أَنَّ الخضوعَ في رومية 13 ليس هدفهُ تَجنُّب القصاص فحسب، بل أَيضًا مِن أَجْلِ الاحتفاظ بضميرٍ صالحٍ، فإِظهارُ القُدوة الحسنة، وأَداء الضّرائب العامّة، والصّلاة لأَجلِ الحُكَّام والمسؤولين تُمثّل طُرقًا ثلاثة يُعلنها الكتاب، ويُشجّع بِهَا المؤمنونَ الدّولةَ على أَداءِ واجباتهَا ومسؤولياتهَا المُعطاة لَهَا من قِبَلِ الله.
فالدّولةُ قد نشأت لفرضِ النِّظام، وإِحقاق العدل؛ فإِن أَخفقت الدّولةُ في مُمارسةِ صلاحياتها، وفي تَطبِيقِ العدل القانونيّ، فإِنَّها تكون قد فشلت في تحقيقِ وظيفتها الأَساسيَّة، وهي المُحافظةُ على كرامة ِالإِنسانِ وحُرِّيَّتهُ.
لكن السّؤال يبقَى مطروحًا، ماذا يفعل المسيحيّ إِذا أَساءت الدّولةُ استخدامَ السّلطة الممنوحة لها من قِبَلِ الله، فبدأت تُشجِّع الشَّرَّ وتُعاقبُ الخيرَ؟! ماذا إِذا توقفت الدّولةُ عن أَداءِ دورها كخادمةٍ للهِ وأَصبحت خادمةً للشّيطانِ فاضطهدت الكنيسةَ عوضًا عن أَنْ تحميها؟!
دعونا نَتفقُ على أَنَّهُ لا يحقُّ للمسيحيّ مثلاً أَن يتمرّدَ على حُكمِ دولتِهِ الشّرعيّ رغبةً في الثّورةِ والعصيانِ. ولكنّهُ أَيضًا لا يستطيعُ أَن يخضعَ لأمرِ الدّولةِ بالكفِّ عن عِبادةِ الرَّبِّ، والتّبشير بإِنجيلِ المسيح، والرّسول وهو يُشجّعُ على احترامِ السّلطاتِ واحترامِها والخضوعِ لها، لا يطلبُ من المسيحيّ الخضوعَ الخانع، وهو لا يُقدّم أَي تشجيعٍ للحُكمِ الاستبداديّ، فَمنْ واجبِ المسيحيّ الاحتجاج والتّنديد بالمظالمِ وطلب تحقيق العدل، كحقٍّ أَصيل لِحُرِّيَّةِ التّعبير عن الرّأي والإِيجابيّة في الحياةِ، فإِذا رأَى أَنَّ الحاكمَ حادَ عن تحقيقِ العدل وَجنحَّ نحو الظّلمِ وقهرِ شعبهِ، يكون بذلك خارجًا على إِرادةِ الله، ولا يُمكن للمسيحيّ الرّضَا بِمَا هو مُخالفٌ لإِرادةِ الله، كما يجبُ أَن تكونَ وسائلُ التّعبيرِ عن الرّأي أَو الاحتجاجِ موضوعيَّةً ولا تَنحرفُ نحو الشّخصانيّةِ، وبدون تجريحٍ في الأَشخاصِ، فقد أَوصَى الكِتابُ المقدّس قائلًا: «لاَ تَسُبَّ اللهَ وَلاَ تَلْعَنْ رَئِيساً فِي شَعْبِكَ» (خروج 22 : 28)، وقد قال أَيْضًا: «لاَ تَسُبَّ الْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ ..» (جامعة 10: 20).
أَمَّا وإِذا أَخفق التّنديد، فالتّظاهرُ السّلميّ أَو المُقاومة السّلبِية قد تكونُ الخطوةَ التّالية. إِنَّ الهدفَ من هذه الحركة هو تَحذيرُ الحاكمَ من الحالةِ المُتردِّية الَّتي أَشرفت عليها البلاد. فالمسيحيّ يبذل كُلَّ جهدٍ مُمكن لِتفَادِي كُلّ ثورةٍ دمويّةٍ باستخدامِ وسائلَ شريفةً فعّالة، لأَنَّ كُلَّ ثورةٍ تُسفرُ عن سفكِ دمٍ وحقدٍ. وغالبًا ما تحطّمُ الثّورةُ أَكثر مِمَّا تَبني. لهذا يسعى المؤمن لأَن يكونَ قُوّةً مُصالحةً عاملة على إِزالةِ أَسباب الثّورة؛ للحيلولةِ دُون نُشوبِها وللمُحافظةِ على العدالةِ والنّوايا الطّيبةِ في حالةِ حدوثها. إِنَّ مِن حقِّ كُلِّ مؤمنٍ مسيحيّ ناضج أَن يعملَ على تطويرِ نظام اجتماعيّ صالح يَرعى حقوق الأَفرادِ بالتّساوي، ويُنمِّي رُوحَ المسؤوليةِ في نفوسِهم.
وإِذا لم تجدِ المُقاومة السّلبية نفعًا، فمقاطعةُ مصالح الدّولة أّو العِصيان المدنيّ قد يكون أَداةً فاعلةً في تحقيقِ بعض الأَهدافِ. والعصيان المدنيّ هو وليدُ قناعة فرديّة وليس موقفًا كنسيًّا رسميًّا؛ إِنَّ العصيانَ المدنيّ بالحقيقةِ، هو مفهومٌ كتابيّ احترمهُ -على وجهِ الخصوص- دَانِيآل ورفاقهُ في العهدِ القديم، ومارسهُ الرُّسل بُولُس وبُطرس ويُوحنَّا في العهدِ الجديد. يجب أَن يتوقّفَ خضوعنَا للدّولةِ عند الحدِّ الَّذي تُصبح عندهُ طاعتنا للدّولةِ عصيانًا للهِ. ففِي حالةٍ كهذه يصحُّ تطبيق المبدأ الكتابيّ «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ»(أَعمال29:5). ليكن المسيحيّ إِيجابيًّا في تفاعلهِ مع قضايا شعبهِ، مُتّخذًا من الطُّرقِ والقنواتِ الشّرعيّة سبيلًا للتّعبيرِ عن احتجاجاتهِ، مُهذّبًا في تعبيرهِ عن موقفهِ حسب القِيم القانونيَّة والأَخلاقيَّة والمبادئ المسيحيَّة.
ويقدّم الدّكتور ﭽون ستوت، (لاهوتيّ مُعاصر) خمسةً مبادئ يجوز معها التّمرّد ضدّ الحاكمِ (وهي درجةٌ أَعلى من العصيانِ المدنيّ) حال توافرها:
1. غِيَابُ العدالة: حالُ الحاجةِ إِلى الإِطاحةِ بِحُكمٍ مُستبدٍ وشريرٍ بصورةٍ واضحة.ٍ
2.الكبح: كَأَن يكونَ التّمرّدُ بمثابةِ مُحاولة أَخيرة بعد استنفاذِ كُلّ الخياراتِ الأُخرى.
3.التّمييز والتّحكّم: ولا يجوز استخدام القُوّة المُفرطة أَثناء التّمرّد.
4.النّسبة والتّناسب: إِذ يجب أَن يكونَ الأَلمُ النَّاتج عن التّمرّدِ أَقلَّ من الأَلمِ النَّاتج عن الخضوعِ لهذا النّظام.
5.الثّقة: أَي توقّعِ نجاح التّمرّد بصورةٍ معقولةٍ وغير مُبالغٍ فيها.
وأَخيرًا فَفِي أَقصى الحالات وبعد استنفاذِ كُلّ وسيلةٍ سلميَّةٍ، قد تكون الثّورةُ وإِسقاطُ نظامِ الحُكمِ هو السّبيلُ الوحيد لإِنقاذِ البلاد من تعنّتِ الظَّالمِ وجبروتهِ وديكتاتوريتهِ، على أَن لا تكون تلك الثّورة أَو ذلك الانقلاب سوى خطوةً إِعداديّةً نحو تطبيقٍ إِيجابيّ للقانونِ والعدالة.
السّؤال الَّذِي يجب على المسيحيّ أَن يطرحهُ على نفسهِ قَبلَ أَن يُشاركَ في أَي شكلٍ من أَشكالِ الاحتجاج أَو الإِضراب أَو التّظاهر، هل هذه الاحتجاجات قائمةٌ على مطالبٍ عادلةٍ؟ وتَنتصرُ للمظلومِ والمقهور؟ أَمْ لمكاسبٍ شخصيّة أَو فئوية؟    
إِنَّ الخضوعَ للسّلطاتِ لا يمكن أَن يكونَ مُبرّرًا لِسلبِ الإِنسان حقَّهُ في التّظاهرِ السّلميّ، من خلالِ توجّه تفسيريّ مُحدّد لبعضِ نصوصِ الكتاب، ومنها رومية 13، بل إِنَّ مَنْ يحاولُ الانتقاص من حقِّ المُعارضةِ السّلميّة، أّو الاحتجاجات وحقّ التّظاهر السّلميّ، وهو ما تَكفُلهُ الدّساتير والمواثيق الدّوليّة تحت ما يُسمّى الخضوع للسّلاطين الفائقة، هو مَنْ يُخالفُ النّماذج الكتابيّة المُتعددة الَّتي عبَّرت عن رأْيهَا ووقفت في وجهِ الظُّلمِ، وانتصرت للمظلومِ والمسكين، وأَيضًا يُخالفُ العقد الاجتماعيّ المُبرّم بين الدّولةِ والشّعبِ طبقًا للدّستورِ ومفاهيم الدّيمقراطية، وهو الَّذِي ينطبقُ عليهِ عدم الخضوعِ للسّلاطين الفائقة.   
ويُعلّقُ ﭽون ستوت قائلاً : «إِنَّ تطبيقَ هذه المبادئ، وفقًا لِمَا يُمليه الضّمير المسيحيّ، سيجعل خطورة الثّورةِ العنيفة أَمرًا نادرَ الحدوثِ».
يتبع