gototopgototop
Get Adobe Flash player

ترجم الموقع إلى لغتك

من كتاباتي

  • الموت في المفهوم المسيحي
  • المفهوم المسيحي للعشاء الرباني
  • نؤمن بإله واحد
  • عودة المسيح ثانية ودينونة العالم
  • الزواج في المسيحية
  • المفهوم اللاهوتي للثورة
  • الثالوث في المسيحية توحيد أم شرك بالله

ابحث في الموقع

رأيك يهمنا

هل تعتقد أن الأعمال الحسنة والأخلاق الجيدة تؤدي بالإنسان إلى الجنة؟
 

زوار من كل مكان

free counters

المتواجدون الآن

يوجد حالياً 5 زائر متصل
الرئيسية مقالات ومختارات مقالات ثقافية مقالات ثقافية متى المسكين: رسالة إلى مصر -

في ٨ يونيه ٢٠٠٦، تُوُفِّيَ الأبُّ متى المسكين في السِّرِّ الذي يَحتَضِنُ الوجودَ، وبعد ٥٨ سنة من الخدمة الرهبانية في عَالَمِنَا. وُلِدَ كـ”يوسف اسكندر“ في عام ١٩١٩، ونَالَ اسْمَ ”متى“ عندما التَحَقَ راهبًا بدير الأنبا صموئيل (المنيا) عام ١٩٤٨، بَعْدَ أن تَرَكَ مِهْنَتَه كصيدلاني ناجح. ونَالَ لَقَبَ ”المسكين“ عندما رُسِم قَسًّا في دير السريان عام ١٩٥١.

خَدَمَ الأبُ متى قائدًا لدير الأنبا مقار (وادي النطرون) بَعْدَ أنْ بَدَأَ في إعادة بِنَائِه عام ١٩٦٠، وحتى انتقاله. (أبونا متى المسكين: السيرة التفصيلية، ٤٣-٥٤، ١١٠-١٣، ٢٢٥-٤٣)

ونحتفل في هذا الشهر بذكرى مرور ٧ سنوات على انتقال خادمٍ ولاهوتيٍّ مِصْرِيٍّ عاش حياةً شاهدة للمسيح في طاعة لروح الله، تاركًا لنا تراثًا يتحدى كُلاًّ مِنَ الفتور الروحي، والتَّشَرْذُم/التعصب الطائفي، وعُطْب العقل والضمير، وثُنَائِيَّةَ الإيمان والعمل، وثُنَائِيَّةَ الأَبَدِ والزَّمَن ــــ الضَّارِبِينَ في النُّخاع المصري والمُكَبِّلِينَ حُرِّيَّتَه وإبداعَه. لذا يُمكِنُنا الآن أنْ نَسْمَعَ صَوتَ المسكين مِنَ العُمْق، داعيًا مِصْرَ لِمُستَقْبَلٍ أكثر مَسِيحِيَّةً، بمحبةِ الله مِنْ كل الكيان ومحبة القريبِ كالنَّفْسِ. (غاية الحياة المسيحية، ١٥)

روحانيةُ الوحدة

إنّها روحانيةٌ مُزَيَّفَةٌ وغَيْرُ مسيحيةٍ تلك التي لا مَكَانَ فيها للآخَر. إنَّ التشرذم/التعصب الطائفي لا يمكن أن يُوصَف بأنه ”مَسيحيٌّ“، إذ هو تَنَاقُضٌ في الحديث وتعبير عن عُطْبِ العقل. فالمسيح هو حياة المصالحة، إذ هو وحدة الله والإنسان، ووحدة الإنسان بالإنسان. لَكِنَّهُ، بالرغم من سهولة التَّحَدُّث والوعظ بهذه الكلمات والمفاهيم، إلا أنه من الصعب في الكثير من الأحيان أن نعيش هذه الحقيقة. فَمَثَلاً، تُوجَد صعوبة طائفية كبيرة أمام تَشَارُك المسيحيين المصريين في الإفخارستيا (مائدة عشاء الرب)، بالرغم من أن أساسَ الإفخارستيا الوحيد هو عَمَلُ المُصالحَة المُوَحِّد الذي أَتَمَّهُ الله في المسيح يسوع لكي نحياه ونتمتع به ونشهد له ونَضُم الآخَرين إليه في انقياد بروح الله.

إنَّ الوحدة المسيحية هي أحَدُ المَحَاوِر الأساسية في التعليم اللاهوتي للأب متى المسكين. فَقَدْ رَفَضَ الانقسام المسيحي والتعصبَ الطائفي ووَصَفَهما بأنهما بلا أساسٍ. ونَبَّرَ على أهمية اشتراك جميع المسيحيين في الإفخارستيا. لكن الأب متى لم يَكْتَفِ بالتعليم النظري، بل مَارَسَ ذلك فعلاً. هذا الانفتاح المَسْكُوني كان ولا زال شهادةً بَيِّنَةً للمسيح في دير الأنبا مقار الذي كان ولا زال مَقْصَدًا مِضْيافًا للعديد من طالبي الحكمة والاستنارة والسَّكِينَة والقَبُول، مِن المسيحيين وغير المسيحيين، ومن المصريين وغير المصريين. بالنسبة لمتى المسكين، الوحدةُ المسيحية إلهامٌ للعالم، لأنها تَشْهَدُ عن المسيح الواحد، الألف والياء الذي فيه خُلِقَ الكلُّ والذي هو غايةُ الكلِّ. (الوحدة الحقيقية، ١٦-١٧)

روحانيةُ العَمل والمُوَاطَنَة

وبالتالي فهي أيضًا روحانيةٌ مُزيفَةٌ وغير مسيحية تلك التي تتجاهلُ الوَطَن والمواطَنَة. فَلَوْ أن مشيئةَ الله للعالَم هي تغيير العالَم بتحريره من عبودية الفساد (رو٢١:٨)، إذًا فالحياة في مشيئة الله تَتَضَمَّنُ بالضرورة العَمَل مع الله نَحْو هذه الغاية. تُوجَدُ ثنائيَّةٌ زائفة في فكر المصريين تَضَعُ ما هو أبدي وما هو زمني في انفصال أو تَضَادٍّ يَجْعَلُ بَعْضَهم ينسحبون من مشاركة الله في العمل على تحرير العالَم بِحُجَّةِ العَيْش لِما هو أبدي، معتَبِرِين أن العالمَ شريرٌ لا مُسْتَقْبَلَ له. ولَكِنْ، لو أن المسيح هو الكلمة المُتَجَسِّد، فلا مجال للحديث عن روحانية مسيحية تَتَبَنَّى ثُنائيَّةً المُقَدَّس والدُنيوي. فَمَعَ أنَّ الأبد والزمن لا يتطابقان، إلا إنهما ليسا مُنْفَصِلَيْن ولا مُتَضَادَّيْن. لذا فثُنَائِيَّةُ الصلاة والفعل، والإيمان والأعمال، والأبدية والزمن، تُعَبِّرُ عن روحانية زائفة. إن العمل والالتزام بالإجادة في القيام به في خدمة العالم ومن أَجْلِ تَغييرِهِ هو شهادةٌ عن المسيح الذي عَمِلَ من أجْل العالم، وعندما عَمِلَ قال: ”قد أُكْمِلَ.“ وبالتالي، فإنَّ إسقاط ثنائية الأبد والزمن على العلاقة بَيْنَ البَشَر تَعْكِسُ أيضًا  بالضرورة رُوحانيةً زائفةً. إن الأساس اللاهوتي للمواطنة وللإبداع الحضاري في العالم يمكن أن نَجِدَه في قَول المسكين: ”المسيحُ هو مسيحُ  العالم كله“ (الوحدة المسيحية، ٣٤-٤٠).

إن العَمَلَ الجَادَّ والمُجَادَ هو أَحَدُ المَحاور الأساسية للتعليم اللاهوتي ولحياة الأب متى المسكين. إنّ روحانية الأب متى المسكين هي روحانية الصلاة والعمل. فالصلاة تُتَوَّجُ بالعمل والعمل يُتَوَّجُ بالصلاة. وفي هذه الدائرة بَيْنَ فِعْل الصلاة وصلاة الفعل يحيا الإنسان لله حياةً روحانيةً تُغَيِّرُ العَالَمَ. لذا لا عَجَبَ في أن نَرَى أن دير الأنبا مقار يَستخدم أحدث الأساليب التكنولوجية في الزراعة، محققًا دخلاً قوميًّا للوطن خادمًا إياه. إن الحياة الرهبانية بالنسبة للأب متى المسكين ليْسَتْ دَعْوَةً ”للهروب من العالم“، بل ”للخروج من العالم لأجْل العَالَم“. (نصائح لرهبان جدد، ٣٠-٣١)

لذلك نَبَّرَ الأب متى على ضرورة وُقوف الكنيسة على التطورات السياسية في الوطن والعالَم لكي يمكنها الصلاة من أجل الوطن والمشاركة في وضع حلول تَؤُول إلى ازدهارِهِ. كَمَا قام الأبُّ متى المسكين بتقديم رَأْيٍ لاهوتي في السياسة، نادى فيه بالحرية المسؤولة للمواطن، وذلك في ظِلِّ رؤية سياسية هي ”الاشتراكية الديموقراطية“. ورَأَى المسكين أن النظام الاشتراكي هو الأقرب لرسالة الإنجيل التي تُنَادِي بالخروج من الذات نحو الوحدة والتعاضد الإنساني في العالم. وهنا نجد إعادة تعريف مسيحي لمعنى الحرية الحقيقية كَحُرِّيَّة الحُبّ. ولكن متى المسكين لا يدعو بذلك إلى موالاة الكنيسة للدولة أو لأي نظام سياسي بعينه، أو بِمُطَابَقَةٍ لأيِّ نظامٍ سياسي بالإنجيل. (مقالات بين السياسة والدين، ٥٧)

روحانيةالعقل

يوجَدُإرْثٌفيمصرَيَرىتَناقضًاطبيعيًّابينالعقلوالإيمان/التقوَى. هذهالرؤيةتقتلالقدرةعلىالإبداعوالخيال،وتَكْبَحالسعيللحريةوالعدل،وتُوسِمُالضميرَفَتُفْقِدهالإحساسَبالجَمالِوتَقْدِيرَهُ. هذالأنجوهرهذهالرؤيةهوالتقليلمنأهميةالتعليمالخلاقالذييتضمنبالضرورةِالسؤالَوالتحليلَوالنقدَ،وهوبروتينالعقلالذيينموبهفيفَهْمقِيَمالحقوالخيروالجمالالتيهيقِيَمٌإلهيةينموفيهاالإنسانأثناءدراسةتاريخاللهمعالإنسانـــأيالتاريخالإنسانيبجوانبهوعُلُومِهالمختلفةبصفةعامة،وتاريخالخلاصبصفةخاصة. والسؤالهو: هلهذاالتناقضواقِعُحقيقي؟

بالنسبةللأبمتىالمسكين،الإيمانلايكونحقيقيًّاإنلميَشْمَلالعقل. وروحانيةالعقللاتعنيالعَقْلَنَة(rationalism) الجامدةالتيتُقْصِيالانفعالالبَشَرِيّوالمشاعرالإنسانيةباعتبارهاأقلقيمةًأوإنسانيةًمنالفكرالمُجَرَّد. ولاهيالصوفانية(mysticism) الرومانسيةالتيتُفْقِدُالإنسانَذاتَهُفيالاتحادبالله. لكنهاالروحانيةالعقلانية(rational) التيبحسبهايَكْتَنِفُاللهُالإنسانَدُونأنيَلْغِيإنسانيَّتَه،بليُقَدِّسهويؤَسِّسكِيَانَهويُنِيرُعَقْلَهُ. ويُعَبِّرُالمسكينعنروحانيةالعقلبقولهإنَّالعقلَالحقيقيهوالذييَنفتحُلحضوراللهويندهشبه،أييَخْرُجُمنذاتهدونأنيَفقدذاتَه(حياةالصلاةالأرثوذكسية،٢٤-٢٨،١٣٢-٣٤). وهذاالاندهاشالذي  مَضْمُونُهالوصيةالعُظمى(تُحِبُّالربَّإلهَكمنكلقَلْبِك) لهجانبآخَرلايتجزَّأمنه،ألاوهو(تُحبقريبَككنفسِك) الذيتَرْجَمَتُهخِدمةُالآخَرينفيخروجمنالذاتدونفُقدانالذات. أيأنهامقابلةاللهللإنسانالتيتُثْرِيالإنسانَوتُحَرِّكُكِيَانَهُفَيُبدِعَثقافيًّاوحضاريًّا،ويَحْيَابالحقوللرحمة. والترجمةُالعمليةلذلكفيحياةالأبمتىالمسكينهيتَأسيسمدرسةلاهوتيةتُحَاكِيمدرسةالإسكندريةالتيتأسَّسَتفيالقرنالثانيالميلادي،والإثمارالأدبيالمتمثلفيكتاباتهالعديدةالتيتتضمنكتاباتتاريخيةولاهوتيةوتفسيرية،جميعهالهابُعْدٌتحليليٌّنَقْدِيٌّخَلَّاقَ. ولِعُمْقِكتاباته،تَمَّتْتَرجمةُبَعْضِها(مثلاً،حياةالصلاةالأرثوذكسية،وألقابالمسيح) للإنجليزيةوبعضاللغاتالأوربيةالأخرى. وتنبيرالأبمتىعلىالعقليمتدإلىوَصْفالصراعالروحي"بالصراعالعقليضدالخطية" (الحدودالمتسعةللإيمان،٢٨-٤٣). كمارَفَضَالأبمتىالروحانيةالتيتُغَيِّبُالعَقْلَ(أبونامتىالمسكين: السيرةالتفصيلية،٥٥). وكانالأبمتىالمسكينيَقْرَأالعربيةواليونانيةوالإنجليزية. كماكانيقرأفيالأدبالعربي. كلهذايشيرإلىتَنبيرِهِعلىأهميةالتعليمالخلاق،الذيبدونهلنيكونللكنيسةأوللوَطَنِطَّريقٌلمستقبَلٍأَفْضَلَ.

وهكذافإنالأبمتىالمسكين،بتعاليمهوبمثالشَخْصِهِ،يدعومصرإلىمستقبَلٍصِحِّيٍّمَلامِحُه"روحانيةالوحدة" المؤسَّسةفيعملالمسيحالكامل،و"روحانيةالعملوالمواطنة" التيتتضمنالصلاةوالعملالمُجَادمنأَجْلِتَغييرالعالمنحوحريتهمنفسادالضميربقوةالروحالقدس،و"روحانيةالعقل" التيتَنْبُذُتَغْيِيبَالعَقلوتُنَبِّرُعلىعبادةحيةتَنْعَكِسُفيجديةالعملوالإبداعوازدهارالإنسان. الوحدةوالعملوالعقلــــهذاهومانُصَلِّيهلمِصْرَفيذِكْرَىالأبمتىالمسكين.